بغداد ـ osama x
اي الاسئلة اختارها لاختراق الدهشة تلك التي يرشها المكان على الشواهد وهي تتموج على القبور ملثمة بالصمت مستظلة باريج الايمان الذي يرسو عند مرقد ولي من اولياء الله الصحالين . هو ابو القاسم الجنيد البغدادي بن محمد بن الجنيد القواريري او الزجاج ولقب بذلك نسبة لحرفة ابيه اذ كان يبيع الزجاج، اصل ابيه من نهاوند من اعمال البصرة ولد ونشأ في بغداد وسمع بها الحديث واسنده عن الحسن بن عرفة ولقي العلماء واخذ عنهم وهو صبي.
هذا الجنيد الصوفي الزاهد وهذا السقطي قال الجنيد واستاذه وذلك النبي يوشع والى جوارهم البهلول ضمتهم جميعا ارض ظاهرة طيبة في بلدة طيبة.. انها مقبرة” الشونيزية “ والتي يعرفها البغداديون اليوم بمقبرة” العطيفية “ .
يوم الاربعاء
في ايام الاربعاء تكتظ المقبرة بالزوار.. ومن يقصد الجنيد البغدادي فلا بد له من ان يدلف نحو قبر خاله السري السقطي فكلا الرجلين من اعلام المتصوفة ورموز التقى والزهد وكل منهما صاحب مدرسة وطريقة في التصوف.. فالجنيد سيد الطائفة التي عرفت باسمه ”الجنيدية“ وهو طاووس الفقراء وشيخ المشايخ وبهلوان العارفين وقد عرفه الناس بالجنيد البغدادي وسماه اخرون بـ” القواريري “ لان اباه كان يبيع الزجاج وقد اختار التصوف استجابة لنداء الروح فكان التصوف عنده ذكرا مع اجتماع ووجدا مع استماع وعملا مع اتباع.. وقد بلغ مرتبة رفيعة بين صوفية عصره.
لقد اختار البغداديون مساء الاربعاء لزيارة الجنيد ومن دفن بجنبه من الصديقين لقد اشتهر الجنيد بالعلم والتقوى والتصوف حتى قال عن علمه” ما اخرج الله الى الارض علما وجعل للخالق اليه سبيلا الا وجعل لي منه حظا ونصيبا “ ويوم سئل ممن استفدت هذا العلم ؟ اجاب .. من جلوسي بين يدي الله تعالى ثلاثين سنة تحت تلك الدرج واوما الى” درجة داره “ ويروى عنه انه مكث اربعين سنة لا ياوى الى فراش ففتح له من العلم النافع والعمل الصالح بامور لم تحصل لغيره في زمانه وكان يعرف سائر فنون العلم واذا اخذ فيها لم يكن له فيها وقفة ولا كبوة .. التقينا بالسيد مظفر عبد الرزاق القدسي الذي امضى اكثر من خمسين سنة سادنا في ضريح الجنيد.
تضم مقبرة العطيفية ضريح الشيخ جنيد البغدادي وخاله السري السقطي والنبي يوشع وبهلول دانه وبابا تاتك الهندي الذي عاش في العراق اربعة اشهر واسس طائفة تابعة له ما زال ”السيخ “ يدينون بطريقتها حتى الان.
وبرغم غزارة علمه وتفقهه في الكثير من صنوف العلم والمعرفة الا انه لم يترك اية مخطوطات او مصنفات علمية حيث اوصى بدفن جميع ما هو منسوب اليه من علمه ويوم سئل عن سبب قال:” احببت ان لا يراني الله وقد تركت شيئا منسوبا الي وعلم الرسول بين ظهرانيهم “ لقد جمع الجنيد الى جانب المعرفة المكتنزة بالتحصيل والدراسة والتعمق والقراءة جمع المعرفة الالهامية التي اختص بها الصوفيون ”الذين تعد معرفتهم بالله تاج المعارف كلها “.
كان الجنيد شديد التعلق ببغداد التي كانت مسرح هواه ومراجع حياته وغاية مناه وكان يرى ان” مقام الغريب ببغداد “ بعد خمسة ايام فضول .انه يريد بغداد لاهلها وقد تعدى هيامه بها كل حدود ومثلما بدأ الجنيد حياته زاهدا عابدا ناسكا متصوفا فقد مات وهو يصلي وصلى عليه ستون الفا ودفن في مكانه المعلوم في بغداد التي احبها حد التصوف !!
تارك الغفلة
والى جوار ضريح الجنيد يرقد خاله واستاذه السري السقطي الذي عرف بـ” تارك الغفلة “ وهو امام البغدادين واول من تكلم بـ ـ بغداد ـ في لسان التوحيد وحقائق الاحوال واليه تنتمي الطبقة الثانية من المتصوفين ويروي لنا الشيخ فاضل عبد جاسم الدهان، عاش الشيخ الجنيد في زمن تفشت فيه ظواهر الاستغلال والظلم والغش وسوء المعاملة والفساد فكان يصعب على الفقير ان يحصل على رزقه وقوت يومه وكان كل شيء محفوفا بالشبهات وامام مجتمع كهذا اختار ابو الحسن السري بن المغلس السقطي العزلة والاعتكاف لكي ينقطع عن اهل السوق ومن معهم من فصائل الاغنياء والامراء وقراء الاسواق فلزم السري بيته لا يخرج منه الا لاداء صلاة الجماعة او الجمعة وسمي” بتارك الغفلة “ لانه كان يرى ان القلب يحب ان ينشغل بالله وحده فاذا دخل القلب شيء ابعده عن ذكر الله ولو للحظات فان ذلك من الغفلة كان شجاعا لا يخشى سوى الله امرا وله في الشجاعة فلسفة خاصة فالشجاعة تعني عنده الخوف من الله والاستقامة على امره وملاقاة الموت بيقين وثبات ويقضي النهار متهجدا والليل متضرعا ليس له من شغل سوى العبادة والعلم فلا تعرف” الغفلة “ الى قلبه سبيلا وعلما انغمس في العبادة وتوحد مع الله .
وعودة الى السيد مظفر عبدالرزاق القدسي سادن الجنيد والذي تحفظ ذاكرته الكثير برغم تجاوزه الثمانين ويروى القدسي حكايات وقصصا كثيرة عما يحدث في مقبرة العطيفية من احداث وطرائف ومن بين ما راه ان اليهود كانوا يقدسون النبي يوشع” ع “ الذي يرقد على مقربة من ضريح الجنيد وتعبيرا عن التقديس عمدوا ذات مرة الى دفن احد الحاخمات في مقبرة” العطيفية “ وبعد ان اكمل اليهود مراسم الدفن قام المسؤولون في المقبرة بنقل الجثة الى مكان اخر لان المقبرة خاصة بالمسلمين .
وعن النبي يوشع قال ان الشمس استجابت له وردت اليه بعد ان مالت الى المغيب .. ويقال انه عاش ثلاثمائة سنة وتحدث سادن المرقد عن ثعبانين يختبئان في زاوية في مبنى المرقد منذ اكثر من خمسين عاما واكد ان لهذين الثعبانين نظاما خاصا حيث يخرجان في اليوم مرتين لشرب الماء ويعودان الى مكانهما فيما يختفي احدهما خلف الباب الرئيس للمرقد ويبقى في ذلك المكان حتى اليوم التالي في الساعة الخامسة عصرا حتى حلول المساء فلم يلدغ ايا من الزوار او سدنته .
واخيرا قبل ان نغادر المقبرة استوقفنا السيد طاهر عبد نجم الكربلائي ووقف متأملا بقعة خضراء من الارض تشمخ بجوارها نخلة باسقة.. اقترب الرجل من البقعة الخضراء وقال : هنا حفر الامام علي” ع “ بئرا بعد عودته من صفين وظل ماؤها لزمن طويل يوصف كدواء لكنها اندرست مع الايام .
صفحة للطباعة
أرسل هذا الخبر لصديق
· البحث في اخبار تحقيقات
· البحث في اخبار جميع الصفحات
--------------------------------------------------------------------------------
أكثر خبر قراءة في تحقيقات:
دوائر البريد.. خطط لإدخال خدمات تواكب حاجة المواطن